همس الحروف…أي وطن هذا؟ وأي شعب نحن؟ .. مأساة في حضن البيروقراطية السوداء….✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

التاريخ:

انشر المقالة :

☘️🌹☘️

همس الحروف
أي وطن هذا؟ وأي شعب نحن؟ .. مأساة في حضن البيروقراطية السوداء
✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

أيها السادة هذه ليست رواية من نسج الخيال ولا مشهد من مآسي الدراما السياسية ، إنها قصة طالب سوداني كادح ، ووافد جلس لإمتحانات الشهادة الثانوية ، مستوفياً كل الشروط المطلوبة ، سجل إسمه بموجب رقمه الوطني ، ودفع الرسوم كاملة غير منقوصة في وقت عز فيه الدفع لأجل للحصول على لقمة العيش الكريمة ، إجتاز الامتحانات بنجاح ، ولكنه إصطدم بجدار دولة لا تعرف الفرق بين السلطة والخدمة ، ولا بين القانون والعقاب الجماعي ، ومن الممكن جداً أن يُدفن حلمه بين ملفات وزارة التربية المغبرة ، بسبب أمر بسيط لا يتعدى سهو موظف مهمل ، رفع رأسه ليرتشف من كوب شاي ، أو لأخذ سفة تمباك في اللحظة التي كان يكتب فيه إسم هذا الطالب الضحية ، فكتب إسم جده الرابع (بشير) بدلاً عن أبشر ، أي حذف حرف وأضاف حرف آخر ، ثم عاد ليغرق في بحر روتينه تاركاً خلفه مستقبل هذا الطالب على حافة الضياع .

خطأ كتابي بسيط ، لا يُفترض أن يتجاوز تعديله دقيقة واحدة ، ولكن تحول بقدرة قادر إلى مأساة أسرة ، واصبحت لهم بمثابة سجن زجاجي يهدد إبنهم بالسقوط خارج قطار المستقبل ، وحين إمتدت يد المساعدة لتصحيح هذه الغلطة ، أصطدمت بسؤال عبثي من إدارة كاملة لا ترى في المواطن إنساناً ، ولكنها تحسبه رقماً ناقص الوثائق ، ومثل هذه الحالة يتعرض لها كثير من السودانيين الذين يقعون في دائرة أخطاء موظفين مهملين لا يهمهم ما يحدث للناس نتيجة أخطائهم .

الطالب الآن خارج السودان ، ولأجل تصحيح هذا الخطأ ، سئل أين شهادة الأساس ؟ … ويعلم السائل قبل المسؤول أن شهادة الأساس تركت في عاصمة إختطفها الرصاص ، وإغتصب فيها الموت الحياة .

أي عقل هذا الذي يطالب بورقة لا قيمة ولا علاقة لها بهذا الخطأ الذي إرتكبته الوزارة ، وما هو معلوم بالضرورة أن هذه الورقة ضاعت بين نيران الحرب ؟ ، وما هي علاقة شهادة الأساس بهذا الخطأ ، نريد توصيحاً شافياً من الوزارة .

أي قانون هذا الذي لا يعترف برقم وطني رسمي؟ .. وأي عدالة هذه التي تغض الطرف عن خطأها الإداري وتُعاقب الضحية ؟ .. ومن يجرؤ أن يقول لهذا الطالب هذا الكلام و بهذه النبرة لا يهمه ما يحدث له من ضياع لمستقبله ، ، ويمكن أن تضاف مع هذه الورقة إن وجدت سؤال آخر عن لبن الطير ، أو البعتران المكي ، أو كلب أسود (يتيم) ، كطلبات الدجالين و السحرة ، كلها متاريس تم وضعها ليتبخر العام الجامعي أمام هذا الطالب فما هو ذنبه ؟ .

إنه مشهد عبثي يجسد المعنى الحقيقي للبيروقراطية السودانية السوداء التي أفقدت الكثيرين حقوقهم في بلادنا ، ويؤكد المشهد كذلك الإصرار على صناعة الأزمات من الهواء ، وعلى تفخيخ حياة الناس في أبسط المعاملات ، وكأن العمل العام في بلادنا بات أداةً للانتقام من الشعب لا خدمته .

أين وزير التربية من هذا العبث ؟ ، وأين هم أولئك الذين يعتلون المنصات ويتحدثون عن التعليم كـقضية وطنية ؟ ، وهل يعلم السيد الوزير أن هذا الطالب سيخسر منحة دراسية مجانية بسبب موظف لا يُجيد كتابة إسم ؟ ، وهل يعلم أن الآلاف من الطلاب وأولياء أمورهم يئنون تحت وطأة هذا النظام الإداري العتيق والمهتري والمتهالك الذي لا يرى الإنسان كمخلوق له طاقة محدودة وصبر له نهاية ، ولكن يجب أن ويعلموا من الممكن بسبب الغبن أن يتحول إلى وحش كاسر لأخذ حقة بقوة لا ترحم من تسبب في منعه من أخذ حقوقه .

لو كنت في مكان السيد وزير التربية ، لما انتظرت شكوى من أحد ، ولما ترددت لحظة في محاسبة الذين قاموا بتسجيل الأسماء وأخطأوا في كتابتها ، وكذلك والذين ضخموا الحل وحولوه إلى مطب بيروقراطي لاغتيال الطموحات .

سيدي وزير التربية والتعليم: يجب ان يصدر قراراً فورياً بتعديل البيانات ، والإعتذار بإسم الوزارة ، وتعويض هذا الطالب معنوياً ومادياً ، ويجب محاسبة كل من سمح لهذا الخطأ أن يتحول إلى كابوس .

نحن الآن بحاجة إلى دماء شابة في قمة هذه المؤسسات .. كفاية لقد إنتهى وقت (عبيد المأمور) ، نريد شباباً في قمة هذه المؤسسات يؤمنون بأن المواطن ليس عدواً لهم ، ويعترفون بأنه شريك فعلي للدولة ، ولهذا نحن بحاجة إلى موظفين لا يطأطئون رؤوسهم خلف مكاتبهم أمام اصحاب المعاملات ، ونريد من يرفعها دفاعاً عن حق كل سوداني في التعليم ، في الكرامة ، وفي كل الخدمات و في الحياة .

نريد وزارات تُدار بالعقل والرحمة لا بالدفاتر الصماء ، و القوانين التي لا تقبل التأويل ، ونريد مؤسسات تعمل على إحترام الإنسان ، ولا تكون سبباً في إهانته ، ونريد مسؤولين فعليين ، لا موظفين بيروقراطيين بلا ضمير .

أعيدوا الحق لهذا الطالب ، ولو لمرة واحدة في تاريخ هذه البيروقراطية الجامدة ، خذوا صف الإنسان لا النظام ، فإن لم تفعلوا، فأنتم لا تستحقون الجلوس على كراسي المسؤولية ، لأنكم فقدتم أبسط شروطها وهي الإنسانية .

لعناية السادة :
1/ بروف كامل إدريس ، رئيس مجلس الوزراء

2/الدكتور التهامي الزين حجر محمد ، وزير التربية والتعليم

ملحوظة

إسم الطالب:
أُبي سيف الدين داؤد أبشر

رقم المركز الذي إمتحن منه (1918) ، مدرسة أحمد قاسم بنين وافدين .. دنقلا .. الولاية الشمالية

رقم الجلوس 280243

الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

مقالات ذات صلة

تم تسجيل(233) لاعب….اتحاد كرة القدم المحلى بورتسودان :عمليات التسجيل تسير بسلاسة واقبال كبير من قبل الأندية

تم تسجيل(233) لاعباتحاد كرة القدم المحلى بورتسودان :عمليات التسجيل تسير بسلاسة واقبال كبير من قبل الأنديةبورتسودان : انصاف...

إعفاء د. معز عمر بخيت من منصب وزير الصحة وترفيع د. هيثم محمد ابراهيم وزيرا للصحة الاتحادية

بورتسودان:انصاف العوض إعفاء د. معز عمر بخيت من منصب وزير الصحة وترفيع د. هيثم محمد ابراهيم وزيرا بورتسودان 21-8-2025 (سونا)...

تفاهمات بين المنظمة العربية للتنمية الزراعيةوالمواصفات لتطوير الصادرات

تفاهمات بين المنظمة العربية للتنمية الزراعيةوالمواصفات لتطوير الصادرات زار البروفيسور إبراهيم آدم الدخيري المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية...

سيناريو إجهاض إيقاف الحرب واعادة الأعمار….نيو يورك تايمز ..نظام ابو ظبى يشعل نيران الحرب بكردفان

سيناريو إجهاض إيقاف الحرب واعادة الأعمارنيو يورك تايمز ..نظام ابو ظبى يشعل نيران الحرب بكردفان بورتسودان :انصاف العوض قالت صحيفة...