مدارات للناس
هاشم عمر
حاويات قرى
في زمن تتقاطع فيه التحديات الأمنية مع الأزمات الاقتصادية، يبرز افتتاح دائرة حاويات قرى كخطوة استراتيجية تحمل في طياتها أكثر من مجرد تدشين إداري. إنها رسالة واضحة بأن الدولة، رغم الجراح، لا تزال قادرة على النهوض، وأن الجمارك السودانية شريكة في بناء الاقتصاد الوطني.
لقد جاء هذا الافتتاح في لحظة فارقة، بعد أن تعرضت محطة سوبا لتدمير ممنهج من قبل المليشيا المتمردة، مما فرض على الجمارك إعادة ترتيب أولوياتها والبحث عن بدائل تضمن استمرار النشاط التجاري. وهنا، لم يكن اختيار “قرى” مجرد قرار جغرافي، بل رؤية اقتصادية وأمنية متكاملة. فالموقع الجديد لا يكتفي بتسهيل الإجراءات، بل يعيد الثقة للموردين والمصدرين، ويمنح رجال المال والأعمال نافذة جديدة لمزاولة نشاطهم في بيئة أكثر استقرارًا، مع وجود المؤسسات ذات الصلة كالمواصفات والمقاييس.
ما يلفت الانتباه في هذا الحدث ليس فقط الحضور الرسمي الرفيع، بل الروح التي سادت الكلمات: إشادة بدور الجمارك، دعوة لتبسيط الإجراءات، تأكيد على أهمية التنسيق بين الجهات ذات الصلة. إنها لحظة تذكّرنا بأن الاقتصاد لا يُبنى فقط بالخطط، بل بالإرادة، وبمؤسسات تعرف كيف تتجاوز المحن وتعيد رسم خارطة العمل الوطني.
إن دائرة قرى ليست مجرد مستودعات وحاويات، بل هي عنوان لمرحلة جديدة؛ عنوان لاقتصاد يقاوم، لشرطة تؤمن بأن الأمن لا ينفصل عن التنمية، ولدولة تسعى إلى إعادة ترتيب أولوياتها رغم كل ما يحيط بها من تحديات.
فهل تكون “قرى” بداية لعودة النشاط الجمركي بالخرطوم إلى كامل طاقته؟
إن شاء الله، ستشهد جميع المحطات الجمركية حراكًا اقتصاديًا وخدميًا.
الأمل كبير، والإرادة أوضح من أي وقت مضى.