فصل الخطاب
✍️ بقلم: عثمان البلولة
حين صممت السعودية فهم السودان الرسالة
في لحظةٍ يُختبر فيها الضمير الإقليمي، وتتهاوى فيها حسابات المصالح الضيقة على أنقاض شعب جريح، يبرز موقف المملكة العربية السعودية من الأزمة السودانية كعنوان لسياسة متزنة، تميل إلى التهدئة لا التصعيد، وإلى دعم الشعب لا المتاجرة بمأساته.
فعلى عكس من اختاروا الاصطفاف خلف أجندات ضيقة أو تغذية النزاعات المسلحة، تمسكت السعودية بخيار الدولة، لا الفصائل. وقد بدا هذا واضحًا في خطابها السياسي الذي لم يتورط في تأييد طرف على حساب آخر، بل شدد على ضرورة ضبط النفس، ومنع الانزلاق إلى فوضى شاملة قد تتجاوز حدود السودان.
موقف المملكة ينبع من إدراك استراتيجي لمركزية السودان في أمن البحر الأحمر، واستقرار القرن الإفريقي، وهو ما يجعل أمنه الداخلي مسألة تتجاوز حدود الجغرافيا إلى عمق المصالح الإقليمية والدولية.
وما بين الحياد السياسي والدعم الإنساني، ظلت السعودية تعبر عن احترامها لخيارات الشعب السوداني، دون أن تنزلق إلى التبرير أو التبرؤ من أي مكون وطني. فهي لا تمنح الشرعية لمنطق القوة، ولا تتواطأ مع مشاريع التفكيك، لكنها – في الوقت ذاته – ترفض الانجرار وراء الاستقطاب الإيديولوجي أو العسكري.
إن غياب التهور في الموقف السعودي لا يعني غياب التأثير. فالصمت المدروس أحيانًا أقوى من الشعارات. والسعودية – رغم تعقيدات المشهد – بعثت برسائل ضمنية مفادها أن السودان لا يحتاج إلى مزيد من البنادق، بل إلى من يدفع باتجاه الحل السياسي، ويرعى بقاء مؤسسات الدولة.
إنّ الشعب السوداني، الذي يتطلع إلى الخروج من نفق الحرب، يدرك أن المواقف التي تبنى على الحكمة لا على الرغبة في الاستثمار السياسي، هي التي ستبقى في سجل الصداقة الحقيقية. والمملكة، بهذا النهج المتزن، لا تقف مع الجيش أو مع الدعم السريع، بل تقف مع منطق الدولة ضد منطق الفوضى.
في زمن اختلطت فيه الأجندات، تبقى السعودية في نظر كثير من السودانيين صوت العقل الذي لا يُجامل، لكنه لا يُقامر.